فصل: فوائد وفرائد ولطائف ونفائس بديعة لابن القيم في قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد ابن العربي في الآيتين:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فِيهَا سَبْعُ مَسَائِلَ:

.الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: عَدَد آيَات الفاتحة:

فِي عَدَدِ آيَاتِهَا: لَا خِلَافَ أَنَّ الْفَاتِحَةَ سَبْعُ آيَاتٍ، فَإِذَا عَدَدْتَ فِيهَا: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} آيَةً اطَّرَدَ الْعَدَدُ، وَإِذَا أَسْقَطْتهَا تَبَيَّنَ تَفْصِيلُ الْعَدَدِ فِيهَا.
قُلْنَا: إنَّمَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَ أَهْلِ الْعَدَدِ فِي قَوْلِهِ: {أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ} هَلْ هُوَ خَاتِمَةُ آيَةٍ أَوْ نِصْفُ آيَةٍ؟ وَيُرَكَّبُ هَذَا الْخِلَافُ فِي عَدِّ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} وَالصَّحِيحُ أَنَّ قَوْلَهُ: {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} خَاتِمَةُ آيَةٍ؛ لِأَنَّهُ كَلَام تَامّ مُسْتَوْفًى، فَإِنْ قِيلَ: فَلَيْسَ بِمُقَفًّى عَلَى نَحْوِ الْآيَاتِ قَبْلَهُ قُلْنَا: هَذَا غَيْرُ لَازِمٍ فِي تَعْدَادِ الْآيِ، وَاعْتَبِرْهُ بِجَمِيعِ سُوَرِ الْقُرْآنِ وَآيَاتِهِ تَجِدْهُ صَحِيحًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا قُلْنَا.

.الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: التأمين:

التَّأْمِينُ خَلْفَ الْإِمَامِ: ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إذَا قَالَ الْإِمَامُ: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فَقُولُوا: آمِينَ؛ فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».
وَثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا، فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».
فَتَرْتِيبُ الْمَغْفِرَةِ لِلذَّنْبِ عَلَى أَرْبَعِ مُقَدِّمَاتٍ ذَكَرَ مِنْهَا ثَلَاثًا، وَأَمْسَكَ عَنْ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَهَا يَدُلُّ عَلَيْهَا: الْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى: تَأْمِينُ الْإِمَامِ.
الثَّانِيَةُ: تَأْمِينُ مَنْ خَلْفَهُ.
الثَّالِثَةُ: تَأْمِينُ الْمَلَائِكَةِ.
الرَّابِعَةُ: مُوَافَقَةُ التَّأْمِينِ.
فَعَلَى هَذِهِ الْمُقَدِّمَاتِ الْأَرْبَعِ تَتَرَتَّبُ الْمَغْفِرَةُ.
وَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَنْ الثَّالِثَةِ اخْتِصَارًا لِاقْتِضَاءِ الرَّابِعَةِ لَهَا فَصَاحَةً؛ وَذَلِكَ يَكُونُ فِي الْبَيَانِ لِلِاسْتِرْشَادِ وَالْإِرْشَادِ، وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ مَعَ جَدَلِ أَهْلِ الْعِنَادِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ.

.الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: الاختلاف فِي قَوْلِهِ: آمِينَ:

اُخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ: آمِينَ، فَقِيلَ: هُوَ عَلَى وَزْنِ فَاعِيلٍ، كَقَوْلِهِ: يَا مِينَ، وَقِيلَ فِيهِ: أَمِين عَلَى وَزْنِ يَمِينٍ؛ الْأُولَى مَمْدُودَة، وَالثَّانِيَةُ مَقْصُورَة، وَكِلَاهُمَا لُغَة، وَالْقَصْرُ أَفْصَحُ وَأَخْصَرُ، وَعَلَيْهَا مِنْ الْخَلْقِ الْأَكْثَرُ.

.الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: مَعْنَى لَفْظِ آمِينَ:

مَعْنَى لَفْظِ آمِينَ: فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ: وَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: قِيلَ: إنَّهَا اسْم مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يَصِحُّ نَقْلُهُ وَلَا ثَبَتَ قَوْلُهُ.
الثَّانِي: قِيلَ مَعْنَاهُ اللَّهُمَّ اسْتَجِبْ، وُضِعَتْ مَوْضِعَ الدُّعَاءِ اخْتِصَارًا.
الثَّالِثُ: قِيلَ مَعْنَاهُ كَذَلِكَ يَكُونُ، وَالْأَوْسَطُ أَصَحُّ وَأَوْسَطُ.

.الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: كلمة آمين لَمْ تَكُنْ لِمَنْ قَبْلَنَا:

هَذِهِ كَلِمَة لَمْ تَكُنْ لِمَنْ قَبْلَنَا، خَصَّنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِهَا، فِي الْأَثَرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: «مَا حَسَدَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ عَلَى شَيْءٍ كَمَا حَسَدُوكُمْ عَلَى قَوْلِكُمْ: آمِينَ».

.الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: تَأْمِينُ الْمُصَلِّي:

تَأْمِينُ الْمُصَلِّي: فِي تَأْمِينِ الْمُصَلِّي، وَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا أَوْ مُنْفَرِدًا، فَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَإِنَّهُ يُؤَمِّنُ اتِّفَاقًا.
وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَإِنَّهُ يُؤَمِّنُ فِي صَلَاةِ السِّرِّ لِنَفْسِهِ إذَا أَكْمَلَ قِرَاءَتَهُ، وَفِي صَلَاةِ الْجَهْرِ إذَا أَكْمَلَ الْقِرَاءَةَ إمَامُهُ يُؤَمِّنُ.
وَأَمَّا الْإِمَامُ فَقَالَ مَالِك: لَا يُؤَمِّنُ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ عِنْدَهُ إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ: إذَا بَلَغَ مَكَانَ التَّأْمِينِ، كَقَوْلِهِمْ: أَنْجَدَ الرَّجُلُ إذَا بَلَغَ نَجْدًا، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُؤَمِّنُ.
قَالَ ابْنُ بُكَيْر: هُوَ بِالْخِيَارِ، فَإِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ: يُؤَمِّنُ الْمَأْمُومُ جَهْرًا، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَبِيبٍ يَقُولَانِ: يُؤَمِّنُ سِرًّا.
وَالصَّحِيحُ عِنْدِي تَأْمِينُ الْإِمَامِ جَهْرًا؛ فَإِنَّ ابْنَ شِهَابٍ قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ آمِينَ، خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِم وَغَيْرُهُمَا.
وَفِي الْبُخَارِيِّ: حَتَّى إنَّ لِلْمَسْجِدِ لَلَجَّةً مِنْ قَوْلِ النَّاسِ آمِينَ.
وَفِي كِتَابِ التِّرْمِذِيِّ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ آمِينَ، حَتَّى يُسْمَعَ مِنْ الصَّفِّ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَرُوِيَ عَنْ وَائِلِ بْنِ الْأَوْزَاعِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ قَالَ: آمِينَ، يَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ.

.الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: فَضْلُ الْفَاتِحَةِ:

لَيْسَ فِي أُمِّ الْقُرْآنِ حَدِيث يَدُلُّ عَلَى فَضْلِهَا إلَّا حَدِيثَانِ: أَحَدُهُمَا: حَدِيثُ: «قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ».
الثَّانِي: حَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: «لَأُعَلِّمَنَّك سُورَةً مَا أُنْزِلَ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الْفُرْقَانِ مِثْلُهَا». وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ حَدِيث صَحِيح فِي فَضْلِ سُورَةٍ إلَّا قَلِيل سَنُشِيرُ إلَيْهِ، وَبَاقِيهَا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْكُمْ أَنْ يَلْتَفِتَ إلَيْهَا. اهـ.

.فوائد وفرائد ولطائف ونفائس بديعة لابن القيم في قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}.

قال رحمه الله:

.فائدة بديعة في قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}:

فيها عشرون مسألة:

.أحدها: فائدة البدل في الدعاء:

ما فائدة البدل في الدعاء والداعي مخاطب لمن لا يحتاج إلى البيان والبدل القصد به بيان الاسم الأول.

.الثانية: فائدة تعريف: {الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}:

ما فائدة تعريف: {الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} باللام وهلا أخبر عنه بمجرد اللفظ دونها كما قال: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.

.الثالثة: معنى: {الصِّرَاطَ}:

ما معنى: {الصِّرَاطَ} ومن أي شيء اشتقاقه ولم جاء على وزن فعال ولم ذكر في أكثر المواضع في القرآن الكريم بهذا اللفظ وفي سورة الأحقاف ذكر بلفظ الطريق فقال: {يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ}.

.الرابعة: الحكمة في إضافته إلى قوله تعالى: {الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}:

ما الحكمة في إضافته إلى قوله تعالى: {الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} بهذا اللفظ ولم يذكرهم بخصوصهم فيقول صراط النبيين والصديقين فلم عدل إلى لفظ المبهم دون المفسر.

.الخامسة: ما الحكمة في التعبير عنهم بلفظ الذي مع صلتها:

ما الحكمة في التعبير عنهم بلفظ الذي مع صلتها دون أن يقال المنعم عليهم وهو أخصر كما قال: {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} وما الفرق؟.

.السادسة: لم فرق بين المنعم عليهم والمغضوب عليهم:

لم فرق بين المنعم عليهم والمغضوب عليهم فقال في أهل النعمة الذين أنعمت وفي أهل الغضب المغضوب بحذف الفاعل.

.السابعة: لم قال: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}:

لم قال: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} فعدى الفعل بنفسه ولم يعده بإلى كما قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} وقال تعالى: {وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.

.الثامنة: نعمة الله مختصة بالأولين دون المغضوب عليهم ولا الضالين:

أن قوله تعالى: {الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} يقتضي أن نعمته مختصة بالأولين دون المغضوب عليهم {ولا الضالين} وهذا حجة لمن ذهب إلى أنه لا نعمة له على كافر فهل هذا استدلال صحيح أم لا؟

.التاسعة: لم جاء الوصف بلفظ غير:

أن يقال لم وصفهم بلفظ غير وهلا قال تعالى لا المغضوب عليهم كما قال والضالين وهذا كما تقول مررت بزيد لا عمرو وبالعاقل لا الأحمق.

.العاشرة: كيف جرت غير صفة على الموصوف؟

كيف جرت غير صفة على الموصوف وهي لا تتعرف بالإضافة وليس المحل محل عطف بيان إذ بابه الإعلام ولا محل لذلك إذ المقصود في باب البدل هو الثاني والأول توطئة وفي باب الصفات المقصود الأول والثاني بيان وهذا شأن هذا الموضع فإن المقصود ذكر المنعم عليهم ووصفهم بمغايرتهم معنى الغضب والضلال.

.الحادية عشرة: مقصود الإخبار عن الصراط المستقيم:

إذا ثبت ذلك في البدل فالصراط المستقيم مقصود الإخبار عنه بذلك وليس في نية الطرح فكيف جاء {صراط الذين أنعمت عليهم} بدلا منه وما فائدة البدل هنا.

.الثانية عشرة: تفسير المغضوب عليهم:

أنه قد ثبت في الحديث الذي رواه الترمذي والإمام أحمد وابن أبي حاتم: تفسير {المغضوب عليهم} بأنهم اليهود والنصارى بأنهم الضالون حسن فما وجه هذا التقسيم والاختصاص وكل من الطائفتين ضال مغضوب عليه.

.الثالثة عشرة: لم قدم {المغضوب عليهم} في اللفظ على {الضالين}؟

لم قدم المغضوب عليهم في اللفظ على الضالين.

.الرابعة عشرة: لم أتى في أهل الغضب بصيغة مفعول:

لم أتى في أهل الغضب بصيغة مفعول المأخوذة من فعل ولم يأت في أهل الضلال بذلك فيقال المضلين بل أتى فيهم بصيغة فاعل المأخوذة من فعل.

.الخامسة عشرة: ما فائدة العطف بلا؟

ما فائدة العطف بلا هنا ولو قيل: المغضوب عليهم والضالين لم يختل الكلام وكان أوجز.

.السادسة عشرة: العطف بلا مع الواو للمنفى:

إذ قد عطف بها فيأتي العطف بها مع الواو للمنفى نحو ما قام زيد ولا عمرو وكقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَج} إلى قوله تعالى: {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ}. وأما بدون الواو فبابها الإيجاب نحو مررت بزيد لا عمرو.

.السابعة عشرة: المقصود بالهداية:

هل الهداية هنا هداية التعريف والبيان أو هداية التوفيق والإلهام.

.الثامنة عشرة: كل مؤمن مأمور بدعاء الفاتحة أمرًا لازمًا:

كل مؤمن مأمور بهذا الدعاء أمرا لازما لا يقوم غيره مقامه ولابد منه وهذا إنما نسأله في الصلاة بعد هدايته فما وجه السؤال لأمر حاصل وكيف يطلب تحصيل الحاصل.

.التاسعة عشرة: ما فائدة الإتيان بضمير الجمع في اهدنا:

ما فائدة الإتيان بضمير الجمع في اهدنا والداعي يسأل ربه لنفسه في الصلاة وخارجها ولا يليق به ضمير الجمع ولهذا يقول: «رب اغفر لي وارحمني وتب علي».

.العشرون: ما حقيقة الصراط المستقيم:

ما حقيقة الصراط المستقيم الذي يتصوره العد وقت سؤاله فهذه أربع مسائل حقها أن تقدم أولا ولكن جر الكلام إليها بعد ترتيب المسائل الست عشرة الجواب بعون الله وتعليمه أنه لا علم لأحد من عباده إلا ما علمه ولا قوة له إلا بإعانته.

.فائدة البدل في الدعاء:

لقد وردت الآية في معرض التعليم للعباد والدعاء حق الداعي أن يستشعر عند دعائها ما يجب عليه اعتقاده مما لا يتم الإيمان إلا به إذ الدعاء مخ العبادة والمخ لا يكون إلا في عظم والعظم في لحم ودم فإذا وجب إحضار معتقدات الإيمان عند الدعاء وجب أن يكون الطلب ممزوجا بالثناء فمن ثم جاء لفظ الطلب للهداية والرغبة فيها مشوبا بالخير تصريحا من الداعي بمعتقده وتوسلا منه بذلك الاعتقاد الصحيح إلى ربه فكأنه متوسل إليه بإيمانه واعتقاده أن صراط الحق هو الصراط المستقيم وأنه صراط الذين اختصهم بنعمته وحباهم بكرامته فإذا قال: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}.
والمخالفون للحق يزعمون أنهم على الصراط المستقيم أيضا والداعي يجب عليهم اعتقاد خلافهم وإظهار الحق الذي في نفسه فلذلك أبدل وبين لهم ليمرن اللسان على ما اعتقده الجنان ففي ضمن هذا الدعاء المهم الإخبار بفائدتين جليلتين إحداهما فائدة الخبر والفائدة الثانية فائدة لازم الخبر فأما فائدة الخبر فهي الإخبار عنه بالاستقامة وأنه الصراط المستقيم الذي نصبه لأهل نعمته وكرامته وأما فائدة لازم الخبر فإقرار الداعي بذلك وتصديقه وتوسله بهذا الإقرار إلى ربه فهذه أربع فوائد الدعاء بالهداية إليه والخبر عنه بذلك والإقرار والتصديق لشأنه والتوسل إلى المدعو إليه بهذا التصديق وفيه فائدة خامسة وهي أن الداعي إنما أمر بذلك لحاجته إليه وأن سعادته وفلاحه لا تتم إلا به فهو مأمور بتدبير ما يطلب وتصور معناه فذكر له من أوصافه ما إذا تصور في خلده وقام بقلبه كان أشد طلبا له وأعظم رغبة فيه وأحرص على دوام الطلب والسؤال له فتأمل هذه النكت البديعة.